بسم الله الرحمن الرحيم


مدرسة بلال بن رباح الابتدائية بتبوك

من هو بلال بن رباح ؟


هو الصحابي الجليل بلال بن رباح الحبشــي ، كان رضي الله عنه شديد السمرة ، نحيف الناحل ، مفرط الطول ، كث الشعر ، خفيف العارضين 0
حياته قبل الإسلام: هو حبشي من أُمَّةِ السود .. جعلته المقادير عبداً لأُناس من بني جُمَح بمكة ، حيث كانت اُمُّهُ إحدى إمائهم وجواريهم .. كان يعيش عيشة الرقيق ، تمضي أيامه متشابهة قاحلة ، لاحق له في يومه ، ولا أمل له في غده ..!!
بداية دخوله في الإسلام: بدأت أنباء ((محمد صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم )) تنادي سمعه حين أخذ الناس في مكة يتناقلونها ، وحين كان يصغي إلى أحاديث سادته وأضيافهم ، سيما (( أُمية بن خلف )) أحد شيوخ بني جُمح القبيلة التي كان بلال أحد عبيدها 00 وكانت أذن بلال تلتقط بعض الكلمات والصفات التي تصور له هذا الدين الجديد ... وكان يحس أنها صفات جديده على هذه البيئة التي يعيش فيها ... كما كانت أذنه تلتقط من خلال أحاديثهم الراعدة المتوعدة - اعترافهم بشرف ((محمد صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم )) وصدقه وأمانته ..!! نعم .. سمعهم يتحدثون عن أمانته ، ووفائه ، ورجولته ، وخُلُقِه ، ونزاهته ، ورجاحة عقله .. وسمعهم أيضاً يتهامسون بالأسباب التي تحملهم على تحدِّيه وعداوته ، تلك هي ولاؤهم لدين آبائهم أولاً ، والخوف على مجد قريش ثانياً 0 وذات يوم ، يبصر (( بلال بن رباح )) نور الله ، ويسمع في أعماق روحه الخَيِّره رنينه ، فيذهب إلى رسول الله ، ويُسْلم 00
صبره على العذاب من أجل الإسلام: لم يلبث خبر إسلامه إن يذيع .. وتدور الأرض برءوس أسياده من بني جُمح ، تلك الرءوس التي نفخها الكبر وأثقلها الغرور..!! وتجثم شياطين الأرض فوق صدر (( أمية بن خلف )) الذي رأى في إسلام عبد من عُبْدانهم لطمة جللَّتهم جميعاً بالخزي والعار..عبدهم الحبشي يُسْلم ، ويتبع محمداً .. ؟!! ويقول (( أمية )) لنفسه : ومع هذا فلا بأس .. إنَّ شمس هذا اليوم لن تغرب إلاَّ ويغرب معها إسلام هذا العبد الآبق .. !!ولكن الشمس لم تغرب قط بإسلام بلال بل غربت ذات يوم بأصنام قريش كلها ، وحماة الوثنية فيها أما بلال فقد كان له موقف ليس شرفاً للإسلام وحده ، ولكنه شرفاً للإنسانية جميعاً .. لقد صمد لأقسى ألوان التعذيب صمود الأبرار العظام . ولكأنما جعله الله للناس مثلاً على أنَّ سواد البشرة وعبودية الرقبة لا ينالان من عظمة الروح إذا وَجَدتْ إيمانها ، واعتصمت بباريها ، وتشبثت بحقها0 لقد أعطى (( بلال )) درساً بليغاً للذين في زمانه ، وفي كل زمان ، للذين على دينه ، وعلى كلِّ دين .. لقد وُضِع عُرْياناً فوق الجمر ، على أن يزيغ عن دينه ، أو يزيف اقتناعه فأبى 000
لقد جعل الرسول عليه السلام ، والإسلام ، من هذا العبد الحبشي المستضعف أستاذاً للبشرية كلها في فن احترام الضمير ، والدفاع عن حريته وسيادته .. لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها إلى جهنم قاتلة ... فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عُريان ، ثم يأتون بحجر متسعر كالحميم ينقله من مكانه بضعة رجال ، ويلقون به فوق جسده وصدره ... ويتكرر هذا العذاب الوحشي كل يوم ، حتى رقت لبلال من هول عذابه بعض قلوب جَلاَّديه ، فرضوا آخر الأمر أن يخلوا سبيله ، على أن يذكر آلهتهم بخير ولو بكلمة واحدة تحفظ لهم كبرياءهم ، ولا تتحدث قريش أنهم انهزموا صاغرين أمام صمود عبدهم وإصراره 000
لكن حتى هذه الكلمة الواحدة التي يستطيع أن يلقيها من وراء قلبه ، ويشتري بها حياته ونفسه ، دون أن يفقد إيمانه ، ويتخلى عن اقتناعه ؛ رفض ((بلال)) أن يقولها ..! وصار يردد مكانها نشيده الخالد : (( أَحَدٌ ... أَحَدٌ ... )) يصيح به جلادوه ، بل ويتوسلون إليه قائلين : (( اذكر اللاَّت والعُزَّى )) .. فيجيبهم : (( أَحَدٌ ... أَحَدٌ ... )) 0 يقولون له : قل كما نقول .. فيجيبهم في تهكم عجيب ، وسخرية كاوية : (( إنَّ لساني لا يُحْسِنُه )) .. !!
ويظل (( بلال )) في ذوب الحميم وصخره ،حتى إذا حان الأصيل أقاموه ، وجعلوا في عنقه حبلاً ، ثم أمروا صبيانهم أن يطوفوا به جبال مكة وشوارعها ... وبلال لا يلهج لسانه بغير نشيده المقدس (( أَحَدٌ ... أَحَدٌ ... ))0 وإذا جَنَّ عليهم الليل يساومونه بقولهم : - غداً قل كلمات خيرٍ في آلهتنا ؛ لِنَذَرَك وشأنك ، فقد تعبنا من تعذيبك ، حتى لكأننا نحن المُعَذَّبون ! فيهز رأسه ويقول : (( أَحَدٌ ... أَحَدٌ ... )) 0 ويلكزه أمية بن خلف وينفجر غمًّا وغيظاً ، ويصيح : - أي شؤم رمانا بك يا عبد السوء ..؟ واللات والعزى لأجعلنك للعبيد والسادة مثلاً ... ويجيب بلال في يقين المؤمن وعظمة القديس : (( أَحَدٌ ... أَحَدٌ ... ))0 ويعود للحديث والمساومة ، مَن وُكل إليه تمثيل دور المشفق عليه ، فيقول : خلَّ عنه يا أميه ... واللات لن يُعَذَّب بعد اليوم ، إنَّ بلالاً منا ... أمه جاريتنا ، وإنه لن يرضى أن يجعلنا بإسلامه حديث قريش وسخريتها ... ويحدق بلال في الوجوه الكاذبة الماكرة ، ويفتر ثغره عن ابتسامة كضوء الفجر ، ويقول في هدوء يزلزلهم زلزالاً : (( أَحَدٌ ... أَحَدٌ ... ))0 وتجيء الغداة وتقترب الظهيرة ، ويؤخذ بلال إلى الرَّمْضاء ، وهو صابر محتسب ، صامد ثابت 0 كيفية نجاته من العذاب : ذهب إليهم أبو بكر الصديق وهم يعذبونه ، ويصيح بهم : ( أتقتلون رجلاً أنْ يقولَ ربِّي الله ) ؟؟ ثم يصيح في أمية بن خلف : خذ أكثر من ثمنه واتركه حرًّا ... وكأنما كان أمية يغرق وأدركه زورق النجاة 0 وبذلك نجا بلال رضي الله عنه من ذلك العذاب ، ببيعه على أبي بكر الذي حرَّره من فوره ، وأخذ (( بلال )) مكانه بين الرجال الأحرار 000
هجرته مع الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم : بعد هجرة الرسول والمسلمين إلى المدينة ، واستقرارهم بها،يُشَرِّعُ الرسول للصلاة أذانها،وأصبح بلال هو مؤذن الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم 0
أحداث غزوة بدر: في غزوة (( بدر )) الكبرى أمر الرسول عليه السلام أن يكون شعـــارها : (( أَحَدٌ ... أَحَدٌ ... ))0 وألقت قريش بأفلاذ كبدها ، وخرج أشرافها جميعاً لمصارعهم ..!! ولقد هَمَّ بالنكوص عن الخروج (( أمية بن خلف )) هذا الذي كان سيداً لبلال ، والذي كان يعذبه في وحشية قاتلة ... هَمَّ بالنكوص لولا أن ذهب إليه صديقه (( عقبة بن أبي معيط )) حين علم نبأ تخاذله وتقاعده ، حاملاً في يمينه (( مجمرة )) حتى إذا واجهه وهو جالس وسط قومه ، ألقى المجمرة بين يديه وقال له : يا أبا علي ، استجمرْ بهذه ، فإنما أنت من النساء ..!!! وصاح به أمية قائلاً: قبحك الله ، وقبح ما جئت به .. ثم لم يجد بُدًّا من الخروج مع الغزاة فخرج 0
وحين بدأ القتال بين الفريقين ، وارتجَّ جانب المعركة من قِبَل المسلمين بشعـارهم : (( أَحَدٌ ... أَحَدٌ ... )) انخلع قلب أمية ، وجاءه النذير .. تلاحمت السيوف ، وحمي القتال ... وبينما المعركة تقترب من نهايتها ، لمح أمية بن خلف (( عبد الرحمن بن عوف )) صاحب رسول الله ، فاحتمى به ، وطلب إليه أن يكون أسيره رجاء أن يخلص بحياته .. وقَبِلَ عبد الرحمن عرضه وأجاره ، ثم سار به وسط المعمعة إلى مكان الأسرى 0 وفي الطريق لمحه (( بلال )) فصاح قائلاً : (( رأسُ الكفر ، أُمية بن خلف ... لا نجوتُ إن نجا )) ورفع سيفه ليقطف رأسه ، فصاح به عبد الرحمن : (( أيْ بلال .. إنه أسيري )) . ورأى (( بلال )) أنه لن يقدر وحده على اقتحام حِمى أخيه في الدين ، فصاح بأعلى صوته في المسلمين : (( يا أنصار الله ... رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوتُ إن نجا )) .. ! وأقبلت كوكبة من المسلمين ، وأحاطت بأمية وابنه - وكان يحارب مع قريش - ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئاً ... وألقى بلال على جثمان أمية الذي هوى تحت السيوف القاصفة نظرة طويله ، ثم هرول عنه مسرعاً وصوته النَّدي يصيح : (( أَحَدٌ ...أَحَدٌ ...))0
فتح مكة: وتمضي الأيام .. وتُفتحُ مكة ... ويدخلها الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم شاكراً مكبِّراً على رأس عشرة آلاف من المسلمين ، ويتوجه إلى الكعبة رأساً ... هذا الكان المقدس الذي زحمته قريش بالأصنام 0 لقد جاء الحق وزهق الباطل 000 ويدخل الرسول الكعبة ، مصطحباً معه بلالاً ... ! ويأمر عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يعلو ظهر المسجد ، ويؤذن . ويؤذن بلال .. فيالروعة الزمان ، والمكان . والمناسبة ..!! كَفَّتْ الحياة في مكة عن الحركة ، ووقفت (( الألوف المسلمة )) تردد في خشـوع وهمس كلمات الأذان وراء بلال 0 والمشركون في بيوتهم لا يكادون يصدِّقون: أهذا هو محمد وفقراؤه الذين أُخْرِجُوا بالأمس من هذه الديار ..؟؟ أهذا هو حقًّا ، ومعه عشرة آلاف من المؤمنين ..؟؟ 0
وكان هناك ثلاثة من أشراف قريش جلوساً بفناء الكعبة ، يسمعون بلال وهو يؤذن وهم ( أبو سفيان بن حرب - وكان قد أسلم منذ ساعات - وعَتَّاب بن أُسيد ، والحارث بن هشام - وكان لم يُسلما بعدُ - )0 قال عَتًّاب وعينيه على بلال وهو يصدح بأذانه : _ لقد أكرم الله أُسيداً ،ألاَّ يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه 0 وقال الحارث : _ أما والله ، لو أعلم أن محمداً محقٌ لاتبعته ..!! وعقب أبو سفيان الداهية على حديثهما قائلاً : إني لا أقول شيئاً ، فلو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى !! وحين غادر النبي الكعبة رآهم ، وقرأ وجوههم في لحظة ، وقال وعيناه تتألقان بنور الله ، وفرح النصر: _ قد علمت الذي قلتم ...!!! ومضى يحدثهم بما قالوا .. فصاح الحارث وعتاب : _ نشهد أنك رسول الله ، والله ما سَمِعَنَا أحد فنقول أخبرك ..!! واستقبلا بلالاً بقلوبٍ جـديـدةٍ0
وعاش بلال مع رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم ، يشهد معه المشاهد كلها ، ويؤذِّن للصلاة 0 وعلا شأن الإسلام ، وعلا شأن المسلمين ، وكان بلال يزداد كل يوم قرباً من قلب رسول الله الذي كان يصفه بأنه (( رجلٌ من أهل الجنة )) ... لكن بلالاً بقي كما هو كريماً متواضعاً ، لا يرى نفسه إلاَّ أنه : (( الحبشي الذي كان بالأمس عبداً )) .. !! 0 ذهب يوماً يخطبُ لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما : (( أنا بلال ، وهذا أخي ، عبدان من الحبشة ... كُنَّا ضَالَّيْنِ فهدانا الله ... وكُنَّا عَبْدَينِ فأعتقنا الله ... إن تُزَوِّجُنا ، فالحمدُ للهِ ... وإن تمْنَعُنَا ، فاللهُ أكبر)) .. !! 0
حياته بعد وفاة الرسول: ذهب الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم إلى الرفيق الأعلى راضياً مرضياً ، ونهض بأمر المسلمين من بعده خليفته (( أبو بكر الصِّدَّيق )) .. وذهب بلال إلى خليفة رسول الله يقول له : (( يا خليفة رسول الله ... إني سمعت رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم يقول : أفضلُ عملِ المؤمنِ ، الجهادُ في سبيل الله )) .. قال له أبو بكر : فما تشاء يا بلال ..؟ قال : أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت .. قال أبو بكر : ومن يُؤَذِّنُ لنا .. ؟؟ قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع ؛ إني لا أُؤَذِّنُ لأحد بعد رسول الله 0 قال أبو بكر : بل ابق وأَذِّن لنا يا بلال .. ؟؟ قال بلال : إن كنت أعتقتني لأكون لك فليكن ما تريد ، وإن كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له ... قال أبو بكر رضي الله عنه : بل أعتقتك لله يا بلال 0
ويختلف الرواة ، فيروي بعضهم أنه سافر إلى الشام حيث بقي بها مجاهداً ومرابطاً 0 ويروي بعضهم الآخر ، أنه قَبِلَ رجاء أبي بكر في أن يبقى معه بالمدينة ، فلمَّا قُبِضَ ووَلِيَ الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، استأذن وخرج إلى الشام 0
آخـر حياته: على أية حال ، فقد نذر بلال رضي الله عنه بقيت حياته وعمره للمرابطة في ثغور الإسلام ، مصمماً على أن يلقى الله ورسوله وهو على خير عمل يُحِبَّانه 0 ومات رضي الله عنه وأرضاه في الشام مرابطاً في سبيل الله كما أراد . ودُفـن تحت ثرى دمشق 0


عودة إلى الصفحة الرئيسية